تساؤلات عديدة تدور في ذهن المرأة فيما يتعلق بالطلاق، منها هل كان زواجها ناجحا من وجهة نظرها؟ وهل كانت فكرة الطلاق تراودها باستمرار، حتى قبل وقوعه، بمعنى أنها كانت تتوقع مثل هذه النهاية؟ هل تحب زوجها وهل لديها أطفال، ما عمرها؟ هل هي امرأة عاملة أو لديها إمكانيات مادية؟
ما عمر الزوج وأي من الطرفين يعود له قرار الطلاق؟ وهل تعاني من أمراض نفسية أو جسدية، أدت إلى الانفصال؟ باختصار هناك حالات متعددة للطلاق، ذات ظروف متغيرة، ينتج عنها ظروف نفسية متنوعة أيضا.
فالطلاق كما يشرح الدكتور محمد سامح احمد طالب، اختصاصي الأمراض النفسية، مستشفى بلهول التخصصي: «حالة يواجه فيها الإنسان أصعب وأعقد المواقف الحياتية. فنحن أمام حياة تهدم، أمام كيان بناه الإنسان قطعة قطعة.
وعلى مدى سنوات ـ طالت أم قصرت ـ وهذا يشكل كارثة تمثل واحدة من أشد درجات الضغط النفسي على الجنس البشري عموما، وعلى المرأة خصوصا، وهي في مواجهة الطلاق، وكيفية التعامل معه والتكيف مع الوضع الجديد». ويضيف الدكتور طالب:
«ان تجميع المرأة المطلقة، لشتات نفسها، ومحاولة إيجاد بداية جديدة، من الأمور الشديدة الصعوبة والقسوة، وهذا عامل ضغط آخر، وفي حال عدم تمتعها بصحة نفسية وقوة وقدرة على المواجهة، والتحمل، أو لم تجد المساندة القوية ممن حولها؛ من عائلة وأصدقاء، فإنها غالبا، لا تصمد وتقع فريسة المرض النفسي».
الخوف من الوحدة
«تخشى المرأة الشرقية الطلاق بصورة كبيرة، مرة نتيجة خوفها من صفة مطلقة، وما تسببه لها هذه «الصفة» من مشاكل على صعيد المجتمع، وثانيا، من كونها تصبح وحيدة. فقد كانت تحت مظلة والديها، ثم زوجها، وفي معظم الحالات تكون فيها المرأة بحكم تربيتها في بيئة عربية محافظة، غير معتمدة على نفسها، لا تستطيع.
ولم تعتد اتخاذ القرارات بنفسها. فبالحماية الزائدة، وتعويدها على الاستسلام، لإرادة الرجل، يصبح خوفها اشد من الوحدة، وتربيتها على ان لا يكون لها قدرة على السيطرة على مقدراتها، يفقدها القدرة والخبرة على المقاومة والتحكم في حياتها».
الأضرار النفسية
«تفضل المرأة الشرقية، متابعة حياة زوجية تعيسة، وخصوصا إذا كانت أماً، أو تقدم بها العمر أو تعتمد على زوجها ماديا لإعالتها». وبالتالي لا مفر من الأضرار النفسية، التي ستلحق بالمرأة، سواء قررت الطلاق أو الاستمرار في زواج تعيس، وهي وحدها القادرة على الحكم، أي الأوضاع اقل ضررا بالنسبة لها، من الناحية النفسية والاجتماعية».
الطلاق في سن متقدمة
كلما طال عمر الزواج، باتت الأضرار النفسية من جراء الطلاق اكبر، «فالطلاق في سن متقدمة يجعل المرأة تشعر انها أضاعت حياتها كلها، يقول الدكتور طالب، ويضعف من فرصها وقدرتها على الانطلاق من جديد، فهي لم تعد قادرة، على متابعة حياتها سواء بالدراسة أو بالعمل، ولم تعد لديها القدرة النفسية ذاتها على التحمل، وأحيانا حتى الجاذبية والجمال اللذين يغريان الآخرين بالارتباط بها، والبداية من جديد.
ثقافة المرأة
تلعب الثقافة دورا مهما في حماية المرأة، في كافة الظروف، «وتساعدها كي تدير حياتها بشكل أفضل، فتحاول ان تجد حلولا لمشاكلها، بشكل علمي أكثر، تمنحها ثقة اكبر بالنفس وبقدراتها، وفي حال وقوع الطلاق، يكون لديها من الاهتمامات، ما يشغلها. كما ان الاستقلال المادي يساعدها على اتخاذ القرارات المناسبة لحياتها، من دون الوقوع تحت تأثير الضغوط المادية».
حضانة الأولاد
يعتبر الدكتور طالب، «ان حرمان الأم من حضانة أولادها، من أسوأ الظروف النفسية، التي قد تعاني منها المرأة من جراء طلاقها، فبالنسبة إليها، يعني ذلك فقدانها كل شيء، لا سيما إذا كان قرار حرمانها من هذه الحضانة يعود لزوجها، ولم يتم من خلال تسوية، كان لها رأي فيها، وان الأمر لم يتم برضاها، أو نتيجة ظروف خاصة بها».
نظرة المجتمع
«تشكل نظرة المجتمع للمرأة المطلقة، عاملا ضاغطا آخر، فبينما تحاول هي، ان تلملم أشتات نفسها، وحياتها، يوجه لها المجتمع نظرة قاسية، تحرمها من انخراطها فيه، بصورتها وظروفها الجديدة، ويجعلها تميل إلى العزلة، مما يساهم في معاناتها النفسية بشكل اكبر».
مساندة العائلة
يعتبر دور مساندة الأهل للمطلقة، في إعادة ترتيب حياتها، هو الأهم والأساس الذي تحتاجه المرأة ، خصوصا، في بداية أزمتها، «ودور الأهل ليس فقط استقبالها، وتوفير الملاذ الآمن لها، ولكن الاحتواء النفسي والعاطفي.
كما يركز الدكتور طالب،والمساندة والتفهم والتقبل والاستماع لها، يساعدها على استعادة توازنها النفسي والعاطفي، ثم مساعدتها للانخراط في المجتمع، مرة أخرى، ومساندتها في إيجاد بداية جديدة، سواء بالدراسة أو العمل، وخروجها للحياة، علها تقابل من ترتاح له نفسها وتبدأ معه صفحة جديدة».
الرجل
يعاني المطلقان من أمور عديدة، خصوصاً في مجتمع لا يهتم بتقصي الحقائق عن أسباب الطلاق والتي كثيراً ما يكون الزوجان ضحيته، وان بنسب مختلفة. فعلى الرغم من نظرة المجتمع القاسية للمرأة المطلقة، إلا ان الرجل أيضا يعاني من خوفه من الندم على قرار مصيري اتخذه.
ويرى الدكتور عامر سعد الدين، أخصائي الطب النفسي: «ان للطلاق تأثيراته النفسية على الرجل، ومن هذه الخلفيات، شعوره بنوع من الفراغ في البداية، يرافقه إحساس بالوحدة. لكن إذا كانت حياته الزوجية مليئة بالمشاكل والصعوبات، فان الطلاق يؤمن له نوعا من الارتياح والخلاص.
الهزيمة
من ناحية ثانية، قد يتملك الرجل الإحساس بالهزيمة، «بفقدانه» من كان يعتبرها شريكة حياته، فيغرق في الحزن، مما قد يؤدي به إلى الاكتئاب. فالطلاق، بالنسبة للرجل أيضا ـ الشرقي والغربي على السواء ـ خطوة فيها خوف من الندم على قرار اتخذ، وقلق من المستقبل وترقب له».
استمرار رغم الفشل
يشكل وجود الأطفال، عاملا أساسيا في استمرار العديد من الزيجات الفاشلة لفترة طويلة، حتى ان العديد من الرجال يتملكهم الخوف والقلق بعد الانفصال، من تكرار فشل التجربة الزوجية مستقبلا، ويتساءلون بينهم وبين أنفسهم، عن مدى مسؤوليتهم في فشل زواجهم، مما يولد لديهم نوعا من فقدان الثقة بالنفس، وان كان الكثير منهم، لا يعبر عن ذلك.
ويضيف الدكتور سعد الدين : «قد يلعب الأهل دورا مساندا للرجل المطلق ـ وهذا يعتمد على قوة العلاقة الأسرية ـ حتى وان كانت المسؤولية تقع على عاتق الزوج، فمساعدته على الاختيار الناجح في المستقبل.
وتغيير بعض جوانب شخصيته السلبية والتي قد تكون سببا في تجربته الفاشلة، ضروري لإعادة ترتيب حياته،علما ان الكثير من الأهل، يود استمرار زواج تعيس عن طلاق ناجح، وذلك خوفا من حكم المجتمع على الأسرة كلها، وليس على الزوج فقط«.
اضطرابات نفسية سلوكية
لكل طلاق ظروفه، لكن انعكاساته السلبية العديدة يتحملها بالنتيجة الأطفال الصغار. «وعلى الرغم من ان الأطفال دون الخمس سنوات كما يشرح الدكتور علي الحرجان، اختصاصي الطب النفسي، لا يدركون معنى أو مفهوم «الطلاق»، غير انهم يتأثرون بشكل كبير بسبب انفصال الوالدين أو لسوء العلاقة التي تنشأ ما بين الوالدين بسبب الطلاق».
«ويعاني أطفال الطلاق من اضطرابات نفسية سلوكية كالخوف والقلق، العصبية، العناد، الشعور بالوحدة والانطواء، الاكتئاب والتوتر النفسي،اضطرابات النوم والكوابيس، السلوك العدواني تجاه أفراد العائلة والآخرين، الكذب، السرقة.
والتأخر الدراسي والمشاكل الدراسية والسلوكية في المدرسة. كما تدهور حالتهم الصحية، فيعانون من التبول اللاإرادي، الم في المعدة والأمعاء، الصداع وفي مرحلة المراهقة قد ينحرف الأطفال أخلاقيا».
مسؤولية الأولاد
يشعر الأطفال، في أحيان كثيرة، انهم مسؤولون عن طلاق والديهم، حيث ان الكثير من الآباء، «يبرر ويفسر مشاكلهم بسبب وجود الأطفال أو ان خلافاتهم تنشأ بسبب الاختلاف في طريقة التعامل مع الطفل أو أسلوب تنشئته وتربيته وأية مدرسة يدخل». كل ذلك يشرح الدكتور الحرجان، يخلق لدى الأطفال «مشاعر الذنب»، عند وقوع طلاق الوالدين».
وفي المقابل يلعب الأولاد دورا كبيرا في عودة المياه إلى مجاريها بين الوالدين، «حيث نجد البعض يمارس تأثيره المباشر من خلال حث الوالدين للعودة ثانية لحياتهم الطبيعية، أو من خلال تصرفات أو سلوكيات تثير مشاعر المودة لدى الوالدين وتحرك فيهم روح المسؤولية تجاه الأطفال والأسرة».
ويفضل ان يتم شرح مفهوم الطلاق للطفل بالشكل الذي لا يخلق لديه «صدمة نفسية». «فيمكن ان نشبه موضوع الزواج والطلاق للطفل، مثل علاقته بأصدقائه، فأحيانا كثيرة يتعرف الطفل إلى زميل له في المدرسة.
ويحبه وبعد حين قد يبتعد عنه هذا الصديق أو يرفضه. وبذلك يتم تقريب موضوع الطلاق، وتبيان الواقع التالي، وهو ان والديه أحبا بعضهم البعض وأنجباه، لكنهما اختلفا في أمور كثيرة، لا يمكن معالجتها، ولمصلحته ومصلحة الوالدين ان ينفصلا، لكنهما سيبقيان أصدقاء وهو بينهما».
التأقلم مع الطلاق
يختلف تأقلم الأطفال مع وضع ما بعد الطلاق، حيث يعتمد ذلك على عمر الطفل وشخصيته، «فالطفل الذي تجاوز السنة الخامسة، من عمره، ويمتلك شخصية متزنة، يستطيع ان يتجاوز ويتأقلم مع الظروف الجديدة.
وللأهل دور كبير في مساعدة الطفل في ذلك. كما ان تناسي النزاعات الشخصية، وعودة مظاهر الاحترام والتقدير ما بين الوالدين من العوامل المهمة في مساعدة الطفل للتأقلم مع الظروف الجديدة»، حتى انه أحيانا، يقول الدكتور الحرجان، «يكون بقاء الأولاد مع طرف واحد أفضل لهم وأحيانا التنقل بين الأم والأب ، هو الأنسب».
أساسيات لا يجب إغفالها
يحق للطفل أن يعيش حياة «مطمئنة» في ظل الوالدين، وعليهما ان لا يظهرا مشاكلهما وشجاراتهما أمامه . «وعند وقوع الطلاق ينبغي اختيار أفضل الوسائل التي تسهل وتساعد الطفل على تفهم الوضع الجديد القائم». ومن الأساسيات التي لا يجب إغفالها ، في التعامل مع الأولاد:
1 ـ الصدق: أي على الطفل ان يعرف الحقيقة، ويتم شرح الأمر له، باستخدام ألفاظ مبسطة مع الوعد بأن تخبريه بكل شيء عندما يصبح أكبر سنا.
2 ـ الوفاء بالوعد: عنصر أساسي في هذه المرحلة من حياة الطفل، فمواعيد زيارته لأبيه أو لأمه يجب ألا يعطلها شيء. وعلى الوالدين الوفاء بوعودها حتى يشعر الطفل بالأمان، وبأن والديه لم يتخليا عنه.
3 ـ تخصيص مكان له وحده: في منزل كل من الأبوين يحتفظ بأشيائه، حتى ولو كرتونة، لأن السؤال الذي يفزعه عند حدوث الطلاق( أين سيكون بيتي؟..)
4 ـ تنظيم حياة الطفل بين الوالدين، مثل قضاء الصيف مع الأب، والعام الدراسي مع الأم أو العكس. ويحذر الدكتور الحرجان، «انه في بعض الأحيان، ونتيجة لسوء تربية الطفل، قد يعمل هذا الأخير إلى ابتزاز أهله، بسهولة اكبر، في حال طلاقهم، فيبدأ في فرض شروطه وطلباته التي لا تنتهي، مقابل حضوره للزيارة.
وهنا ينبغي أن ننمي لدى الأولاد روح المحبة والعاطفة، ونبادله هذه المشاعر الأبوية، وليس كسب ود الطفل من خلال إشباع رغباته المادية من العاب واكل وملبس ومال».