السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بعد طول انتظار وبعد بحثي الدائم لك
عن زوجة العمر التي طالما حلمت بها كان لابد أن أرشدك ولو بعض الإرشادات لتدوم لك
هذه الزوجة وفية مطيعة محبة لك ومخلصة لك أينما كانت وأينما حلت
اعلم بني الحبيب أنك ستأخذ هذه الفتاة من بين أهلها، بيت نشأت فيه
عشرين سنة أو أقل أو أكثر، من بين والديها الحبيبين، وإخوتها، وشقيقات روحها،
فهذه أول صدمة تصدم بها الفتاة حيث تنتزع من بين أهلها إلى رجل لم تُخلق بطباعه،
ولم يُخلق بطباعها فأول ما تبادر به ألا تحرمها من أهلها، فأشعرها بالأمان فمتى
رغبت في زيارة أهلها فلا تمانع من ذلك على قدر استطاعتك.
ثم ضع في بالك أمرًا غفل عنه كثير من الرجال وهو
وصية الحبيب صلى الله عليه وسلم لكم خاصة (اتقوا الله في النساء، فإنهن عوان عندكم)
رواه مسلم في صحيحه فالزوج المؤمن يرى أنه مجازى بالإحسان، مأخوذ بالإجرام.
فلا يحيا لطبائع الأثرة والاستعلاء
اعلم يا بني أن الزوجة ليست أمة وأنت السيد بالمفهوم العبودي، بل أنتما زوجان
وحبيبان ستديران المركب بمجدافين، عليك مسؤوليات، وعليها مسؤوليات،
و الأمر لك بعد مشورتها في النهاية ، فرحم الله زوجًا سهلاً رفيقًا لينًا رؤوفًا
انتبه عزيز من لحظات الغضب، فإنه يمهد النفس لقبول شتى الوساوس،
ومتى صحا الغضوب من نزوته راح يندم إلى ما فرط منه.. فلا تدع النزاع يستفحل ولا تدع الحرب تنشب
واحذر من إسقاط الإهانات فتكون كوخز الإبر، ولا ترسل الكلام على عواهنه
فتقذف بألفاظ جارحة تظل تبعاتها على مر السنين، فالمرأة يا بني لا تنسى أبدًا
لأنها جبلة على الرقة والحساسية ، وستظل جروح كلماتك تنزف في قلبها
على مر الأيام والسنين، مهما أحسنت معاملتها، فلا تدع لسانك حبلاً
مرخيًا في يد الشيطان، عود لسانك الجميل من القول فإن ثماره حلوة يانعة،
والكلمة الطيبة غذاء الروح
ليكن قدوتك الحبيب ـ عليه الصلاة والسلام ـ فما انتقم لنفسه قط، بل كان يعالج الأخطاء بالرفق ..
وإن لم تستطع فلا تميل كل الميل وتسترسل في خطئك .. كما ولا تنسى أنك ستكون لها قدوة
في ذلك إن بدى منها بعض التقصير وسترى منها بعد ذلك العجب العجاب الذي
سيسرك ويرضيك عنها فالله لا يضيع أجر من أحسن عملا يا بني
فلا تستخفنك التوافه، واحتفظ برجاحة فكرك، وابن حياتك على فضيلة الصبر،
فإن أساسه متين.. فالعشرة والمودة والإغضاء عن الهفوات خصال تعتمد على
الصبر الجميل، فالمؤمن يطلب المعاذير، والمنافق يطلب الزلات، كن من المحسنين
الذين قال الله فيهم: { وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} آل عمران:134
عليك أن تدرك أن المرأة تحتاج إلى الاحترام والتقدير على قدر حاجتها إلى العطف والحنان،
فالطابع على أغلب الرجال تملكه الأنفة والشموخ أمام أهله بعد الزواج، فيظهر لأهله أنه
البطل المغوار الذي قطع رأس القطة لزوجته ليلة الزفاف، فربما تنازل عن نبل خصاله وخاصة
أمام أهله: هاتي، أحضري، افعلي، ولاعيب في ذلك طالما تحمل في قلبك حبا وشغفا
لهذه الزوجة وإياك أن تتعرض لها بألفاظ محرجة، ونقد قاس
اعلم يا قرة العين أن احترامك لها أمام أهلك سيجعلها تعطيك أضعافًا من الاحترام,
فالمرأة بطبيعتها النقية وبفطرتها السوية إن قدمت لها القليل من أي شيء طيب ردته
لك أضعافا مضاعفة ، وهذا ما يتمناه الرجل، فإن أشد ما يؤلم المرأة تعنيفها أو لومها أمام
الآخرين، فالمرأة فياضة الحنان والعاطفة، فإذا وجدت منك احترامًا وجدت عندها السلوى
والراحة والمتاع، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ يقول:
( الدنيا متع وخير متاعها المرأة الصالحة) رواه مسلم،
ومتى جفوت عليها فستجفو عليك ربما ليس في الظاهر،
بل تغور في جذور قلبها فتخفيها رغبة منها في استمرار حياتها، فقدم لتستمع بهذا المتاع
هناك أمر مهم
لا تدع حياتك معها عسكرية تحتوي على الأوامر والنواهي،
فإن استطعت أن تتناول كأس الماء بنفسك فافعل، فإنك كنت في الغالب
تأخذ بنفسك في بيت والدتك، وكنت أحيانًا ربما صنعت طعامك بنفسك،
بل وخطر على بالك مرة أن تصنع عصيرًا مكونًا من الحليب والموز،
فلماذا الآن تتحكم في كل صغيرة وكبيرة، ما الذي يمنعك من مساعدتها في
تحضير سفرة الطعام، فلست أنت خير من الحبيب صلى الله عليه وسلم الذي
كان في خدمة أهله حتى تحضر الصلاة.. تقول عائشة رضي الله عنها:
( كان بشرًا من البشر: يفلي ثوبه، ويحلب شاته، ويخدم نفسه) رواه البخاري في الأدب
وكان صحابته يقتدون به، فمثلاً كان عليه الصلاة والسلام يحب التطيب، واستعمال السواك،
وها نحن نسمع ابن عباس يقول: (إني لأتزين لامرأتي كما تتزين لي، وما أحب أن أستنظف [آخذ] كل حقي الذي لي عليها، فتستوجب حقها الذي لها علي، لأن الله تعالى يقول: وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ..البقرة: 228
تمر على المرأة أمور بعد زواجها عسيرة كالحمل مثلاً، تتغير فيها نفسيتها،
فجهز نفسك لهذا الأمر وحاول أن ترفع درجة العناية بها، وتحملها قليلا فما تمر
به ربما يقتلك لو جربته لمرة واحدة فالله تعالى يقول: {...حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ} لقمان: 14،
والرجال يقولون: دلع وميوعة
ليكن لديك رحمة تجعلك ترق لآلامها، فإنه يمر عليها أمور من الوحم والثقل والخوف،
مما يجعلها ربما تقصر تجاهك، أو تجاه منزلها، فلا تكلفها من الأمر شططًا، التمس لها
العفو والحرمة والمعونة، فهي تحتاج إلى من يبعث الطمأنينة في نفسها وأنت أقرب الناس إليها
لا تكرر عليها الكلمات المألوفة التي لا تغير من الأمر شيئًا، أمي كانت جدتي كانت أم جدتي كانت،
كل جيل يا عزيزي يختلف عن الجيل الذي يليه، فأنت لست كأبيك، ولا مثل جدك.. ها أنت أحيانًا تشكو
من مفاصلك لكثرة تناولك للبيبسي مثلاً
إذا كانت يا حبيب ممن يفضلون تناول الإفطار في الصباح، فلا داعي لأن توقظ زوجتك على جميع الأحوال،
تنازل عند تعبها أو سهرها مع طفلها، فها أنت الآن تحب كثيرًا تناول فطورك في الكافتيريات ..
إذا جاءت طبخة الطعام على غير مزاجك فالتزم الصمت، فأنت لا تعلم كم نبذل من المجهود
لإعداد الطعام وتزيينه لكم معشر الرجال، ليكن لديك مصفاة تحجز الأكدار وتخفي العيوب
فإذا اليابس يخضر، والكدر يصفو
حاول أن تمتدحها غالبًا فلا تكون الحياة مملة وعلى وتيرة واحدة، تحسس مواضع الجمال فيها
فمثلاً: ابتسامتك جميلة، هذا الإكسسوار رائع، ما هذا العطر الزكي ..
إنك بهذا سترفع ثقتها بنفسها وستجعلها دائمًا تهتم بزينتها ولباسها وخاصة لك
لا تفكر في السفر وحدك دون اصطحاب زوجتك إلا إذا كانت هناك ضرورة قصوى،
واحذر من أن تثير غيرتها بذكر محاسن امرأة أخرى ولو كانت أختك أو أي واحدة من محارمك
ثم هناك عقدة كبيرة تعانيها غالبية النساء، وهي أن الرجل بعد زواجه بشهر أو شهرين يبدأ بتهديد زوجته بالزوجة الثانية، ولو على سبيل المزاح، فيجعله كابوسًا يؤرق حياة المرأة، وهناك مثل يقول: 'ذبابة لا تقتل ولكنها تكدر النفس'، وربما جعله سيفًا يشهره على زوجته كلما حصل بينهما سوء تفاهم، فاعلم أيها الغالي أن الله عنده كل شيء بمقدار، فأرديك أن تكون مثاليًا بين الرجال، فامح هذا التهديد من قاموس حياتك الزوجية ولا تتطرق له أبدًا
هناك صفة دنيئة موجودة في بعض الرجال وهي التنقيص من شأن أهلها، فدائمًا يحقر من شأن أبيها أو أخيها فيسلط عليهما موجة عاتية من التفاهة والتسطيح..احترم شعورها لتحترم شعورك بالمقابل
وإني أرى فيك نضوج العقل، وبك ذكاء، فضلاً من الله ونعمة، ولا أظنه إلا سيتحول إلى وسيلة جيدة لتحقيق أغراض السعادة بإذن الله. فنحن قد نحسن أو نسيء في استخدام المفاتيح التي يسرت لنا
ما أجمل أن تكون زوجتك صديقتك تسد خللها وتستر زللها وتتجاوز عن هفواتها! فهي صديقة العمر التي تخالطك في السراء والضراء وسط زحام الحياة وتطاحن الأزمات، فلا شيء يخفف أثقال الحياة عن كاهل الزوجين كمثل أحدهما للآخر
وإن كانت حاجتك لها أكثر فلا تنسى أنها قد تحتاجك قوي سمحا رفيقا بها ولو مرات قليلة
عودها في الغالب على أن تنجز ما وعدتها به، فضعف الذاكرة، وضعف العزيمة عائقان كثيفان عن الوفاء بالواجب، ولا تقارن نفسك بالنماذج المنتشرة بين الرجال، ولتتطلع نفسك إلى المثل العليا، والنماذج المتميزة
فالأخلاق الزكية إنما تنبجس من قلب مؤمن يعرف الله ويتهيأ للقائه، ويرجو وعده، ويخشى وعيده والشمائل الرقيقة طريق الفلاح في الدنيا والآخرة
يقول مريد الخبر : أصبحت أحب الخير وأهله ومن يعمل به , فإن عملت به أيقنت ثوابه، وإن فاتني منه شيء حننت إليه
لتعلم يا بني أن بر والديك واجب عليك، فلا تكلف زوجتك به، ولتكن منصفًا تعطي كل ذي حق حقه، لا تدع الخيط مشدودًا بين زوجتك ووالدتك أو أختك أو أي واحد من أقربائك فتنقل عن هذه أو تنقل إلى هذه، فلو دققت النظر في كثير من المشكلات لرأيت التطاحن المر بين الزوجة ووالدة الزوج أو أخته ، والذي يعود سببه إلى عدم حسن إدارة الزوج .. فأنت المسؤول عن فشل علاقة زوجتك بأهلك خاصة النساء منهم لكثرة احتكاكهن ببعضهن البعض.. فكن شديد الحذر من عواقب الفرقة والاعتزال الجسدي وإن كنت ذكيا فدع عقلها معزولا عنهم وليس جسدها .. فقلبك الكبير ورجاحة عقلك سيكفل لك ذلك إنشاء الله
والتحاول التقريب بينهم بالضوابط والقوانين التي ستحمي حياتك الزوجية وتحفظ بها مشاعر أهلك ( أمك أو أخواتك ) دون أن تهين أحد الأطراف
ونهاية المطاف: أكثر من شكر الله فلقد وهبك زوجة حيية، عفيفة، ملتزمة ناضجة فهي جوهرة مكنونة يندر وجودها في هذا الزمان والله تعالى يقول: {..لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ} [إبراهيم:7]، وكن من القليل
الذين قال الله فيهم: {..وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ
ويكمن الشكر بالحمد اللفظي و بمحافظتك على تلك الجوهرة وحرصك الدائم على سعادتها
......................................
بارك الله لك فيها ورزقك خيرها يا ولدي الحبيب
لقد حان لي أن أرتاح يا بني وأن أراك سعيد مع زوجتك
أسعدك الله في الدنيا والآخرة
يا فلذة كبدي
مشكورين ولا تنسوا ردودكم