رئيس السلطة الفلسطينية، زعيم حركة فتح - ياسر عرفات: هل وصل الي خندق الدفاع الأخير عن القضية الفلسطينية؟
لندن ــ عبد جعفر:
ليست هذه هي المرة الأولي التي تصل الدبابات الاسرائيلية الي بعد امتار من مقر الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، لكن هذه المرة، بات هناك معني آخر للهجوم الحربي علي مقر عرفات وهدم السور الخارجي لمقره في أعقاب اختتام القمة العربية في بيروت. يتعرض رئيس السلطة الفلسطينية ياسر عرفات لأخطر امتحان سياسي، سواء علي صعيد مستقبله الشخصي او في ما يتعلق بالقضية التي ندر لها نفسه طوال اربعين سنة من عمره. فرئيس وزراء اسرائيل ارييل شارون يشن حربا شعواء ضده وضد سلطته و تهمه بالارهاب وحماية الارهابيين. وقد بدأ الجيش الاسرائيلي ضمن تأييد امريكي علني هذه المرة، بحملة قصف واسعة ضربت أهم مرافق السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة ردا علي العمليات الانتحارية التي تبنتها كتائب عز الدين القسام، الذراع العسكرية لحركة حماس.
وطائر الفينيق الذي ينبثق مجددا من الرماد، كما يصف عرفات نفسه، لا يواجه الضغط الامريكي ــ الاسرائيلي ضده، بل ضغط الشارع الفلسطيني الذي يؤكد حقه في مقاومة الاحتلال وعسف السلطات الاسرائيلية. فمن هو عرفات؟
تختلف الآراء حول مكان ولادة عرفات واسمه الحقيقي، لكنها تجمع ان اسمه ارتبط بفلسطين، فلا يمكن تغافل هذا التاريخ المليء بالمآثر والخسائر والانتصارات والانكسارات والتراجع.
تقول الموسوعة البريطانية اسمه عبد الرحمن رؤوف القدوة، ويري بعضهم ان اسمه الحقيقي محمد ووالده عبد الرؤوف عرفات القدوة، اما ولادته فبعضهم يقول في القدس والآخر في غزة. لكن أكثر من مصدر يؤكد انه ولد في القاهرة في 24 آب (اغسطس) عام 1929، لأب تاجر من خان يونس هو عبد الرؤوف عرفات القدوة، وأمه هي زهوة أبو السعود وتربطها صلة قرابة مع مفتي القدس الراحل الحاج أمين الحسيني.
وهو واحد من 6 أشقاء وشقيقات ويقع ترتيبه السادس. وتميز هذا الصبي بالعناد والتمرد وتمتعه بالاستقلالية ورفضه الوصاية من أحد. ومرد ذلك لوفاة أمه المبكرة عام 1933 وانتقال ابيه الي القاهرة واهتمامه بمصنع الجبن الذي افتتحه وزواجه من امرأة أخري حيث اتسمت العلاقة بين زوجة الأب مع عرفات واخوته بالصراع والشجار المتواصل مما دفع الأب الي تطليقها. وقد اثرت هذه المشاكل كثيرا علي نفسيته ومزاجه ونفوره من الجنس الآخر لفترة طويلة. وتركت بصماتها الواضحة علي قراراته السياسية والاجتماعية مع العلم انه لم يتزوج من سهي عرفات والتي انجب منها الطفلة زهوة الا بعد ان تجاوز الـ65 عاما.
أما أهم المحطات النضالية والسياسية في حياته هي دوره في تهريب الاسلحة والذخيرة من مصر الي الثوار عام 1946 وانضمامه هو وضابط مصري الي مجموعة من مقاتلي الاخوان المسلمين عام 1948 التي كانت تحاصر مستوطنة كفار داروم في غزة. وعلي اثر الاحباط اراد ان يترك دراسته للهندسة ويسافر الي الولايات المتحدة ولكنه لم يحصل علي التأشيرة، غير انه سرعان ما أدرك أهمية النضال ضد الاسرائيليين ونجح من خلال صلاته بالاخوان المسلمين الي اقامة معسكر تدريب في الجامعة للطلبة الفلسطينيين علي العمليات العسكرية، حيث استطاع خلال هذا المعسكر ان يبني صلاته مع رفاقه الاوائل مثل صلاح خلف (ابو اياد) وهايل عبد الحميد (أبو الهول). وفي عام 1952 اصبح عرفات رئيسا لاتحاد الطلبة الفلسطينيين واتاح له هذا المنصب الالتقاء بزعماء الثورة المصرية الا انه اعتقل في تشرين الاول (اكتوبر) عام 1954 في مصر بعد فشل محاولة الاخوان في اغتيال عبد الناصر. وبعد اطلاق سراحه أخذ ينسق مع الشهيد خليل الوزير (ابو جهاد) العمليات العسكرية عبر الحدود، وتمكن عرفات بعد انعطافات عديدة بعد تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية بقيادة أحمد الشقيري عام 1964 ان يصبح الرئيس الثالث للمنظمة بعد الشقيري ويحيي حمودة، وذلك منذ عام 1969.
وتعرضت منظمة التحرير تحت قيادته الي هزات قوية بعد خروجها من الأراضي الاردنية بعد أحداث ايلول (سبتمبر) عام 1965 وانتقالها الي الجنوب اللبناني وانفجار الحرب الاهلية في لبنان عام 1973 ثم رحيله في آب (اغسطس) عام 1982 ومغادرة بيروت تحت ضغط الحصار الاسرائيلي للمدينة الذي دام أكثر من شهرين، اذ اختار عرفات الرحيل الي تونس، حيث بدأ رحلة طويلة من المفاوضات السرية في النرويج مع الاسرائيليين انتهت باتفاقيات اوسلو المعروفة حيث ذهب الي البيت الابيض في 13 ايلول (سبتمبر) عام 1993 وصافح رئيس وزراء اسرائيل اسحق رابين، وفي الأول من تموز (يوليو) عام 1994 عاد عرفات الي قطاع غزة واريحا وفي 20 كانون الثاني (يناير) عام 1996 انتخب أول رئيس لسلطة وطنية فلسطينية في التاريخ.
كما واجه عرفات مراحل عصيبة اخري في حياته تمثلت بتعرضه لمحاولات اغتيالات عديدة والانشقاق عن منظمة فتح الذي حصل بعد عام 1982 وكذلك الانشقاق عن منظمة التحرير نفسها، لكنه استطاع ان يخرج منها بأقل الجروح ايلاما ولعل دخوله في 13 تشرين الثاني (نوفمبر) عام 1974 لالقاء خطاب في الأمم المتحدة كأول زعيم لحركة تحرير وطني وقبلها الاعتراف بمنظمة التحرير كممثل وحيد للشعب الفلسطيني تسجل انتصاراً له ولسياسته في قيادة منظمة التحرير.
ونجا عرفات مرارا من الموت. ففي 13 نيسان (ابريل) عام 1973 نجا باعجوبة من هجوم نفذته فرقة كوماندوس اسرائيلية في بيروت وقتل خلاله ثلاثة من ابرز معاونيه، لعدم وجوده خلافا لكل الحسابات في الموقع المستهدف.
وفي الاول من تشرين الاول (اكتوبر) عام 1985، دمر الطيران الاسرائيلي مقره العام في تونس تقريبا. ونجا عرفات عندما عاد ادراجه وهو في طريقه الي المكتب لحظة بدء الغارات.
وفي عام 1991، وفي عز ازمة الخليج، انقلبت السيارة التي كانت تقله مرارا علي الطريق بين عمان وبغداد.
وفي عام 1992، تحطمت الطائرة التي كانت تقله في الصحراء الليبية، وكان الناجي الوحيد من الحادث. وبتخليه عن الخيار العسكري، ومع انطلاقة الانتفاضة الاولي التي كان محركها وموجهها في عام 1987، اتجه عرفات الي التفاوض مع اسرائيل.
وفي عام 1988، اعلن عرفات علانية ادانته للارهاب بعد ان اعترفت منظمة التحرير الفلسطينية بحق اسرائيل في الوجود.
وفي عام 1993، وقع في البيت الابيض اتفاقات اوسلو التي نصت علي اقامة الحكم الذاتي الفلسطيني، وبفضل هذه المبادرة التي غيرت مسار الأحداث في الشرق الاوسط، حاز عرفات مع رئيس وزراء اسرائيل الراحل اسحق رابين ووزير خارجيته حينها شيمعون بيريز علي جائزة نوبل للسلام. وعاد عرفات مظفرا الي الاراضي الفلسطينية في تموز (يوليو) عام 1994 بعد سنوات طوال في المنفي، وانتخب رئيسا للسلطة الفلسطينية. ولا يزال عرفات يناضل من أجل اقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشريف. ويري مراقبون ان عرفات أكثر شخصيات القيادة الفلسطينية جدلا، اذ عرف بتحالفاته المثيرة اذ كان يقترب من الاعداء ويبتعد عن الاصدقاء ويفارق رفاق الدرب ويلازم خصوم الامس، غير انه تمكن من توحيد اصدقائه واعدائه بـ(لعمه) المعروفة القابل للتأويل لأكثر من وجهة، ومن هنا تكمن براعته، التي تعطيه المقدرة باللعب بأوراق عديدة سواء مع اسرائيل او الانظمة العربية، وهو يقود شعبه في الداخل ضمن اطار سلطته الوطنية.
ويري مطلعون بالشأن الفلسطيني ان عرفات في موقع لا يحسده عليه أحد، اذ ان دبابات شارون أحرقت أوراق اتفاقات اوسلو، والتأييد الامريكي لاسرائيل في ضرب السلطة الفلسطينية بحجة مكافحة الارهاب، جعل دعوة بوش لتأسيس دولة فلسطينية في مهب الريح خاصة ان الرئيس الامريكي يرفض اللقاء بعرفات حتي لا يثير غضب الاسرائيليين عليه. وفي الوقت نفسه، فان الشارع الفلسطيني الذي يقدم يوميا القرابين في مقاومته الاحتلال، ويتعرض للقصف الاسرائيلي بالطائرات والدبابات والحصار وتدمير البيوت، لن يرضيه ان تتحول السلطة الفلسطينية الي هراوة بيد جيش الاحتلال، لأنه يمارس حقه بالمقاومة.
الأيام ستكشف بما تؤول اليه الأحداث، فهل التصعيد الاسرائيلي سيفشل مهمة المبعوث الامريكي ويعود بالاوضاع ما قبل اتفاقات اوسلو؟ أم يتمكن عرفات من احتواء الموقف ونقل الكرة الي الملعب الاسرائيلي الذي تواجه سياسة حكومته الادانة والشجب، داخليا وعربيا وعالميا؟ ربما تؤدي للاطاحة بشارون نفسه في مسعي للحفاظ علي التحالف الدولي لمكافحة الارهاب، اذ يعد الشرق الاوسط أحد المفاتيح المهمة في هذا الجانب.
موضوع: رئيس السلطه الفلسطنيه 
الخميس يونيو 05, 2008 12:17 pm
