العرب وإسرائيل .. ستون عاما من الصراع
الإفتتاحية .....
ستون عاما مضت على الصراع العربى - الإسرائيلى، حفرت معها أحداث ومسارات، بدأت بما يسميه البعض بالنكبة (1948)، ومرت بالنكسة (1967) وبينهما حرب 1956، وبعدهما حرب أكتوبر 1973.
وفى كل، كانت مجلة 'السياسة الدولية' حاضرة، تعليقا وتحليلا وتوثيقا، بحيث بات ملف الصراع، بكل أبعاده وأطرافه وتجلياته، أحد الملامح الأساسية للمجلة منذ صدورها فى يوليو 1965. وفى هذا الصدد، فقد أصدرت المجلة ما يقرب من خمسة وعشرين ملفا تتعرض للصراع من مختلف جوانبه، فضلا عن العديد من الدراسات والمتابعات التى كانت حاضرة كلما طرأ جديد على تطورات الصراع، وهو ما يعد إسهاما حقيقيا لا تزال تنفرد به مجلة 'السياسة الدولية'.
الآن، وبعد مرور ستين عاما على هذا الصراع، كان جديرا بالمجلة أن تصدر عددا خاصا بهذه المناسبة، ليس فقط بسبب الالتزام المهنى بضرورة تغطية هذا الملف، وإنما أيضا بسبب التحولات والتغيرات التى طرأت عليه طيلة العقود الستة الماضية، والتى تدفع بضرورة إعادة النظر للصراع عبر رؤى مغايرة.
وقد حرصت المجلة، بشكل مستمر، على الالتزام بالمنهج العلمى والأكاديمى فى ملف الصراع العربى - الإسرائيلى، وذلك دون تهوين أو تهويل، وهو ما أضفى قدرا كبيرا من الجدية والموضوعية على جميع الدراسات والتقارير التى تناولت هذا الملف الشائك. وهى محاولة تبدو كما لو كانت استكمالا لما بدأته المجلة قبل أربعة عقود ونيف، حين تناولت الأبعاد المختلفة للصراع من خلال إسهامات وكتابات العديد من المفكرين والباحثين وأصحاب الرأى والتأثير.
ولتعميق الاستفادة من هذه الخبرات، واطلاع الأجيال الجديدة على أبعاد هذا الملف، آثرت إدارة المجلة إعادة إنتاج نماذج من أهم الدراسات التى تناولت الصراع العربى - الإسرائيلى من مختلف أبعاده، سواء من خلال تناول مواقف أطرافه وقضاياه، أو من خلال تتبع مساراته وتطوراته، وذلك على الاسطوانة المدمجة المرفقة بالعدد.
وهنا، يمكن الإشارة إلى كتابات الدكتور بطرس بطرس غالى التى تناولت الأبعاد السياسية والقانونية التى حددت طبيعة العلاقة بين مصر وإسرائيل (أكتوبر 1967)، وكتابات الدكتور حاتم صادق التى تناول فيها الوزن العسكرى لإسرائيل، وانعكاساته على فرص السلام فى المنطقة (يناير 1968)، وإسهامات الدكتور على الدين هلال فى ملف النكبة والموقف الأمريكى من الصراع (يناير 1971، و1973)، فضلا عن كتابات وإسهامات العديد من أصحاب الأقلام البارزة التى أضفت قدرا كبيرا من الجدية والرصانة على تناول هذا الملف، نذكر منهم -على سبيل المثال لا الحصر- الأستاذ السيد يس، والدكتور محمد السيد سعيد، والدكتور عبدالمنعم سعيد، والدكتور عبدالعليم محمد، والدكتور وحيد عبدالمجيد، وغيرهم كثيرون.
وفى هذا العدد، تسعى المجلة للقيام بنوع من إعادة النظر فى الصراع العربى - الإسرائيلى، بأبعاده المختلفة، وهى عملية لا تهدف إلى تقييم مسارات الصراع، سواء التسوية أو المواجهة، فحسب، وإنما أيضا للتفكير فيما آل إليه هذا الصراع، وما رسخه من أنماط إدراكية ساهمت فى تشكيل الوعى العربى طيلة العقود الماضية. وقد عمدنا فى هذا العدد إلى التعرف على خبرات وتجارب نفر مهم من النخبة الفكرية التى عاصرت الصراع بمختلف مراحله، وأسهمت فى استكشاف وبلورة العديد من جوانبه طيلة العقود الأربعة الماضية.
فى المقابل، كان مهما أن يتم التعرف أيضا على رؤى ومقاربات الباحثين الشباب فى الملف نفسه. وكم كان لافتا ذلك التناظر الفكرى والبحثى بين كلا الجيلين، مما يشى بأن الصراع العربى - الإسرائيلى لا يزال عنصرا حاكما فى الإدراك العربى، رغم اختلاف الأجيال والخبرات، فضلا عن اختلاف المواقف والمسارات.
بكلمات أخرى، هذا العدد محاولة أقرب ما تكون إلى 'زيارة' أو رحلة إلى الماضى، ولكن بعيون الحاضر، وتطلعات المستقبل، حاولنا فيها إعادة النظر فى مفردات الصراع، وما تبقى منها، وتقييم مسارات التسوية والمواجهة، فضلا عن دراسة تداعيات هذا الصراع على حركة النمو والتطور الذاتى فى المجتمعات العربية. فلدينا فى هذا العدد رؤية عميقة للصراع العربى - الإسرائيلى، كتبها الدكتور بطرس غالى، ركز فيها على أثر الإخفاقات المتكررة لعملية السلام بين العرب وإسرائيل على تنامى الفجوة بين الطرفين، وتصاعد حالة العداء والكراهية الشديدة لإسرائيل فى المنطقة.
وهو يلخص رؤيته فى عبارة بليغة يقول فيها '.. ما دامت قوة الكلمات، ليست أكبر من قوة الرصاص، فلا أرى حلا عادلا للمأساة الفلسطينية'.
فى حين يتعرض الدكتور عبدالمنعم سعيد لمشروع التسوية العربية مع إسرائيل، وذلك من خلال اختبار المنهج الذى اتبعه الرئيس المصرى الراحل أنور السادات فى إدارة العلاقة مع إسرائيل. وهنا، يشير الدكتور سعيد إلى الاستراتيجية التى اتبعها السادات فى التعاطى مع إسرائيل، والتى مزجت بين خيارى الحرب والسلام، وأجبرت إسرائيل على الدخول فى علاقات سلام مع مصر، أفضت لبسط السيادة المصرية على كامل الأراضى التى احتلت عام 1967.
فى المقابل، قام الدكتور أحمد يوسف أحمد باستعراض جدلية المقاومة والتسوية، واختبار مدى نجاعة كلا الخيارين، مع التركيز على تطور خيار المواجهة بين العرب وإسرائيل، وهو يقرر أن المقاومة كخيار لم تسقط أهميته، بل كانت هى المحرك الأساسى لجميع النجاحات التى حققها العرب فى الصراع مع إسرائيل.
وحول تأثير العوامل الخارجية على الصراع العربى - الإسرائيلى، يشير الدكتور محمد السيد سليم إلى الدور الذى لعبته القوى والأطراف الدولية فى ساحة الصراع بين العرب وإسرائيل طيلة أكثر من نصف قرن، وذلك من خلال استعراض الأدبيات والأطروحات الأكاديمية التى تناولت هذا الموضوع.
ويتناول الدكتور عبدالمنعم المشاط مسألة الأمن القومى العربى، وما آل إليه هذا المفهوم، وقد قام فى هذا الصدد بعقد مقارنة مهمة بين مفهومى الأمن الوطنى والأمن القومي.
أما فيما يخص العلاقة مع إسرائيل، فيرى الدكتور المشاط أن قيام دولة فلسطينية لن يحد من اعتبار إسرائيل مصدرا لتهديد الأمن القومى العربى، مستعرضا طبيعة الاختلافات العربية - العربية فى تقييم النظر لإسرائيل، باعتبارها مصدرا للخطر. وتناول المعلق السياسى اللبنانى، حازم صاغية، التطور الذى حدث للمشروع القومى العربى، وانتهاءه إلى مشاريع الدولة الوطنية، وهو يقيم كلا من الاستراتيجية المصرية والسورية فى التعاطى مع الحالة الإسرائيلية، مشيرا إلى الاستغلال الذى مارسته بعض الأنظمة العربية للقضية الفلسطينية من أجل دعم مصالحها الخاصة.
وفيما يخص الشأن الفلسطينى على وجه التحديد، يستعرض المفكر الفلسطينى عبدالقادر ياسين مسارات التسوية على الجانب الفلسطينى، وتطور الأداء الفلسطينى فى العلاقة مع إسرائيل من خلال نهج التسوية.
وهو هنا يشير إلى ضرورة الإبقاء على خيارى المقاومة والسلام دون انفصال. أما فيما يخص إسرائيل، المشروع والدولة، فقد آثرت المجلة تخصيص ملف العدد لمناقشة كافة الأبعاد التى تتعلق بإسرائيل من الداخل.
وقد تناول فيه الدكتور عماد جاد موضوع العقيدة الصهيونية وما تبقى منها، مشيرا إلى أنه على الرغم من اعتقاد التيار الرئيسى فى الفكر السياسى الإسرائيلى بأن الصهيونية قد أدت مهمتها بنجاح فى إقامة الدولة اليهودية ودفع اليهود للهجرة إليها، إلا أن البعض لا يزال يرى للصهيونية دورا رئيسيا فى التعبئة والحشد من أجل اتخاذ القرارات المصيرية التى تمس بقاء الدولة.
ويتناول الدكتور محمد عبدالسلام موضوع القوة العسكرية لإسرائيل، مستعرضا نظريات الأمن التى هيمنت على الفكر العسكرى الإسرائيلي. مشيرا إلى أن عملية السلام لم تؤثر كثيرا على مفاهيم الأمن الإسرائيلية، ولم يحدث أن خيار السلام كان يمثل بالنسبة لإسرائيل 'خيارا استراتيجيا' دون محددات، بل إن هناك مقولات إسرائيلية تؤكد أن اعتبارات الأمن تحتل أولوية متقدمة على مقتضيات السلام، أو أنها يجب أن تكون ضمن أية معادلة تهدف إلى التسوية السلمية. وفى موضوع 'إسرائيل .. إشكالية الجغرافيا والديموجرافيا'، يتناول الباحث محمد جمعة طبيعة الجدل الدائر فى إسرائيل حول مسألة العامل الديموجرافى، ويخلص إلى أنه من الصعوبة بمكان على إسرائيل أن تجمع بين الاستيلاء على الأراضى من جهة، وزيادة عدد سكانها من جهة أخري.
ولاختبار مدى تأثير ذلك البعد الديموجرافى على القرار السياسى الإسرائيلى، يحلل الباحث أكرم ألفي أبعاد هذا الموضوع، وذلك من خلال استعراض السياسات الإسرائيلية المختلفة التى تسعى للحفاظ على توازن ديموجرافى بين الإسرائيليين والفلسطينيين. وفيما يخص الرؤية الإسرائيلية لعملية التسوية، يتناول الباحث صبحى عسيلة طبيعة الخلاف الداخلى فى إسرائيل حول منهج التسوية.
ففى حين ترفض التيارات اليمينية مسألة التسوية، باعتبارها خصما من مكاسب إسرائيل المتحققة والمحتملة، فإن التيارات اليسارية ترى أن عملية التسوية أمر ضرورى فرضته المتغيرات الدولية والإقليمية. ويختتم هذا الملف بموضوع مميز للكاتب أحمد بهاء الدين شعبان حول قضية 'العلم والتكنولوجيا فى إسرائيل'، مشيرا إلى أن كافة القادة الإسرائيليين، بدءا من 'تيودر هيرتزل' وحتى 'إيهود أولمرت'، قد أدركوا الأهمية القصوى لموضوع العلم والتكنولوجيا فى الصراع مع العرب. وللتعرف على رؤية جيل الباحثين الشباب للصراع العربى - الإسرائيلى، خصصت المجلة قسما خاصا يستطلع آراء هؤلاء الباحثين، ويستوضح مواقفهم وإدراكاتهم للصراع ومستقبله، ومدى اختلاف رؤيتهم عن تلك التى تبناها كبار الكتاب والمفكرين، الذين كانت لهم بصمات واضحة فى هذا الملف على مدى العقود الثلاثة الماضية.
نقلا من الاهرام المصري
وهكذا نحن العرب نقلا عن جورج بوش وعن اولمرت وعن انفسنا لا مبلاه
تحياتي لكم